الوَقْت هو حياة الإنسان على الأرض، وهو نعمة من الله سبحانه وتعالى أنعمَ بِها على البشريَّة، وعلى الإنسان استغلال وقته بِكُل ما هو نافع ومُفيد لِيصل إلى الغاية الّتي خلقه الله سبحانه وتعالى من أجلِها،[١] وحياة الإنسان على الأرض ما هِيَ إلّا أيام وشُهور وسنين، فكُلُّ يوم يَمضي على الإنسان يَأخد من عمره ويقرِّبه من أجَلِه؛ لِذلك كان الأحرى بالشّخص العاقِل أنْ يستغِّل وقته فيما يُرضي ربَّه لِيَسعد في الدُّنيا والآخرة.[٢]
إنَّ للوَقْت أهميَّة عَظيمة على المُسلِم أنْ يُدرِكها، وعليه أنْ يَحرِص على اغتنام وقتِه بِكُل ما يَعود عليه بِالمَنفعة، وأنْ يُسارِع إلى استثمار أوقات فراغه، واستغلال صِحَّته قبل أنْ يَسقَم ويُصبِح غير قادر على استثمار وقتِه كما يَجِب، وعن أبي بَرْزةَ الأسلميِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عله وسلَّم: (لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ)،[٣] فَسوف يُسأل المُسلِم يوم القِيامة عن عُمره فيمَ أفناه، وحَرِيّ به أن يُحضِّر نفسه لِلإجابة الّتي ستُسعِده في الدّار الآخرة،[٢] وليست العِبرة في إنفاق الوَقْت فَحَسب وإنَّما في استثماره، فَالوَقْت إذا تمَّ إنفاقه نفذ وضَاع، أمّا إذا تمَّ استثماره فإنَّه ينمو ويُزهِر،[٤] فلا يُنفِق الإنسان وقته في أحاديث غير مفيدة، أو في مجالس الغيبة والنَّميمة، أو فيما يُغضِب الله جلَّ وعَلا.[٢]
إنَّ الوَقْت ثروة الإنسان، فلو استثمر كُل ساعة ضائِعة منه في الدَّراسة أو التَّثقيف وطَلَب العلم، أو حتَّى في التَّفكير بِمشروع يَعود عليه بِالفائِدة والرِّبح، سَيعمَل بذلك على كسر جدار الكَسَل الّذي يَقتُل روح النَّشاط ويَمْلأ حياته بالرُّوتين المُمِل، وسَيَضع حاجِزاً منيعاً يَحميه من ضياع الوَقْت والإهمال وعدم المُبالاة الّتي تُميت العقل والرّوُح بِبُطء شديد، وبِذلك يُصبِح الشّخص ناجحاً وَواثِقاً بِنفسه، ومُثقَّفاً ومُكتسِباً لِلعلم والمعرفة، ومن الجدير بالذّكر أنَّ استثمار الوَقْت لا يعني ألّا يُعطي الإنسان نفسه وقتاً للرَّاحة والتَّرفيه، وإنمّا يَجِب عليه أنْ يُعطي نفسه حقَّها من الرّاحة والاستجمام لِما لِذلك من فوائد عظيمة على صِحَّة الجسم ونشاطه؛ بِشرط أن يكون ذلك فيما يُرضي الله عز وجل، ومن دون الإفراط في وقت الرّاحة أيضاً.[٥]
إنَّ الاستغلال الصَّحيح للوَقْت يعود بالكثير من الفوائِد على الفرد والمُجتمع، فيستطيع الفرد حلّ مُشكلة البِطالة عن طريق خِدمَة النّاس والسَّعي إلى الرِّزق، ويُمكِنه أنّ يُشارِك أيضاً في حل مُشكِلات وهموم الفقراء والمساكين بالتّعاون مع الجمعيات الخيريَّة، وباستثمار الوَقْت يُفيد الإنسان كما يَستفيد، فيُغيث شخصاً ملهوفاً، أو يُصلِّي على جَنازة، أو يَصِل رَحْمه، وعليه أنْ يكون شديد الإصرار على عدم تضييع وقته، وأن يبتعِد عن الفوضويّة، وينظِّم وقته؛ فالشَّخص غير الهادئ أو المُتوتِّر يحتاج إلى ضِعف الوَقْت الّذي يحتاجُه الهادئ والمُنظّم لإنجاز عمل ما، ويستغِلّ الإنسان وقته على أكمل وجه فَيَستمِع إلى دُروس علميَّة أو مُحاضرات مُفيدة حتّى أثناء قيادته، وحتّى المرأة في بيتها أثناء الطّهو والتّنظيف يُمكِنها أنْ تستغِلّ ذلك في ذكر الله أو سَماع مُحاضرة مُفيدة بدلاً من التَّفكير العشوائي غير المُنظَّم.[٦]
كان الرَّجُلان من أصحاب الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام إذا التقيا لم يتفرّقا حتى يتلو أحدهما على الآخر سورة العَصْر، وهي السّورة الّتي أقسَم الله سُبحانه وتعالى بالعصر فيها، ومن المَعروف أنّ الله لا يُقسِم في كتابه العزيز إلا في أمرٍ عظيم، وسورة العَصْر تَضُم منهجاً كامِلاً لِحياة الإنسان، قال تعالى: (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)،[٧] والمقصود بِالعَصْر هُنا ليس آخر النَّهار وإنَّما الزَّمَن، فقد أقسم الله بالزَّمَن لِيُبين للِإنسان أنَّه خاسِر إنْ لمْ يَستغل عُمره في العمل الصَّالِح، قال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)،[٨] ولِتفادي الخسارة على الإنسان أن يقوم بالأعمال الصالحة الّتي هي ثمن للسعادة في الدّارَيْن.[٤]
يُعتبر الوَقْت في حياة المسلم عبادة، أمّا في الغَرْب والنَّظريات الماديّة فالوَقْت هو المال، يَقول الحَسَن البصريّ رحمه الله: (أدركتُ أقواماً كان أحدهم أشحَّ على عمره منه على دراهمه ودنانيره)، ومن هذا نستنتج أنَّ الوَقْت أغلى من المال، لِأنَّ المال يُمكِن تعوضيه والمُسلِم يُدرِك ذلك، أمّا الوَقْت لا يُمكِن تعويضه، ولا يُمكن شِراء الوَقْت أو بَيْعه أو تأجيره ولا حتّى مُضاعفته أو تصنيعه، وإنَّما استثماره وتوظيفه فيما هو نافع ومُفيد،[٤] وتزيد قيمة الوَقْت كُلّما كان هناك أهداف لِلإنسان، فمن ليس لديه هَدَف أو رِسالة يُريد تأدِيَتها فلا قيمة الوَقْت لديه، ولا يَشعُر بِقيمة الوَقْت إنْ مضى ونَفِذ،[٩] وعلى الإنسان أنْ يَستفيد من وقته وإنْ ضاق فقد كان العلّامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله، يَشرَح لِطلُّابه بعض من المُتُون العِلميَّة أثناء سَيْرِه من بَيْته إلى المَسْجِد الّذي يَؤُم فيه، فَكان يَستغِل تلك العَشْر دقائق، وقد شرح عدد من المُتون في ذلك.[٦]
تُعَرَّف إدراة الوَقْت بأنَّها فِعْل ما يَنبغي فِعْله على الوجه الصَّحيح في الوَقْت الصَّحيح، وإدارة الوَقْت تُعبِّر عن الإدارة الفعَّالة لِلنَّفس والعِبادات وجميع أعمال وَواجبات الشَّخص، وفي مَجال الأعمال هناك أربعة موارِد رئيسيَّة، وهي: الأفراد، والموادّ، والمعلومات، والوَقْت؛ إلّا أنَّ الوَقْت أكثرها أهميّة، فكُّلما تحكَّم الشّخص في وقته بِطريقة إيجابيَّة سَيُحقِّق نتائج أفضل وعائِد أكبر من الموارد الثّلَاث الأُخرى.[١٠] فبِالتَّخطيط الدَّقيق الوَقْت واجتناب التَّسويف والتَّكاسُل وتأجيل الأعمال المُترتِّبة يَتم توفير ساعات كثيرة أثناء التَّنفيذ، ويَجِب أنْ يَتِم تنظيم الوَقْت بِهدوء وبِموازنة الأمور جميعها لِتحقيق الأهداف المَرجُوَّة من ذلك، فَيَضَع الشَّخص وقتاً للانتهاء من أعماله ويُدوِّن كُل ما عليه القِيام به لِتجنُّب نِسيان أيّ عمل، ويَبتعِد عن التَّردُّد والوساوِس، ويأخذ عهداً على نفسه بِأنْ يَنضبِط بِالأعمال المُفيدة، ويُعرِض عن رفقاء السُّوء الّذين يتسببون بِمَضيعة الوَقْت وهدرِه.[٦]
من وسائِل تنظيم الوَقْت:[٩]
يرتبط الوَقْت مع العِبادة بِعلاقة وثيقة، فالعِبادات مثل الصَّلاة والصِّيام والحج وغيرها لا يصِح تأجيلها أو تأخيرها، فمثلاً الصَّلاة لا تُؤدَّى إلّا في وقتِها، والحج كذلك، وقد ورد عن الرّسول عليه الصَّلاة أنّه حثَّ على تأدِيَة العِبادات في وقتِها عندما سأله رجل قائِلاً: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ عليه الصَّلاة والسَّلام: (الصلاةُ لوقتِها، وبِرُّ الوالدَينِ، ثم الجهادُ في سبيلِ اللهِ)،[١١] وربَّى الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أصحابه على معرفة أهميَّة الوَقْت وقيمته، وقد كان الرَّسول الكريم أشدّ النّاس حِرصاً على وقته، فلا يُمكِن أنْ يَمضي وقته بدون عِبادة أو عمل لله تعالى يَنفَع به الأُمة، فعن أبن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغِكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)،[١٢] وعلى الإنسان أنْ يَغتَنِم هذه الخَمْس أُمور قبل فوات الأوان.[٤]
ومن يَجهَل قيمة وقته سَيتعرَّض إلى موقِفَيْن خَطيرَيْن هُما:[٤]
المقالات المتعلقة بما أهمية الوقت